هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل المبرمجين فعلًا؟ بين وعود التقنية وحكمة الخالق في تمييز الإنسان بالعقل.

هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل المبرمجين فعلًا؟ بين وعود التقنية وحكمة الخالق في تمييز الإنسان بالعقل.

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

في عصرٍ تتسارع فيه خُطى التكنولوجيا، وتتنافس فيه العقول لتصميم أنظمة قادرة على التفكير والابتكار، يثور سؤال كبير في عالم التقنية:
هل سيأتي يوم يصبح فيه المبرمج مجرد ذكرى، بعدما تتولى الآلات والأنظمة الذكية مهامه؟
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، فالله سبحانه وتعالى حين خلق الإنسان ميّزه بالعقل والإرادة، ومنحه القدرة على التفكير الأخلاقي والإبداعي، وهي قدرات لا يمكن لآلةٍ مهما بلغت أن تملكها.
فدعنا نغوص معًا في رحلة تجمع بين العقل والعقيدة، لنعرف: هل الذكاء الاصطناعي خطر حقيقي على المبرمجين؟ أم مجرد وسيلة جديدة لخدمة الإنسان؟

أولًا: ما هو الذكاء الاصطناعي ولماذا يخشاه البعض؟

الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الأنظمة على محاكاة التفكير البشري في التحليل واتخاذ القرار والتعلّم من التجربة.
وقد أذهلتنا تطبيقاته: من المساعدات الذكية مثل ChatGPT، إلى برامج توليد الصور، إلى أنظمة البرمجة الذاتية.
لكن مع هذه الثورة ظهرت المخاوف:
هل يمكن لهذه الأدوات أن تكتب الأكواد بدل المبرمج؟
هل ستُستبدل الوظائف التقنية ببرامج تعمل بلا كلل ولا خطأ؟

قال تعالى:

"وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" (الإسراء: 85)
وهذا يذكرنا بأن أي علم أو ذكاء صنعه الإنسان، هو في النهاية جزء بسيط من علم الله الواسع. فالذكاء الاصطناعي ليس أكثر من مخلوق من مخلوقات العقل البشري، محدود بما وُضع فيه من خوارزميات وقواعد.

image about هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل المبرمجين فعلًا؟ بين وعود التقنية وحكمة الخالق في تمييز الإنسان بالعقل.
مبرمج مسلم يعمل بتركيز على شاشة تظهر رموز الذكاء الاصطناعي والأكواد، تعبيرًا عن توازن الإيمان والعقل في مواجهة تطور التكنولوجيا.

ثانيًا: الإنسان هو من يصنع الإبداع لا الآلة

المبرمج الحقيقي لا يُقدّر بثمن، لأن الإبداع لا ينبع من التعليمات الجامدة، بل من روح التفكير، وفهم المشكلات بعمق، والقدرة على الإبداع في الحل.
أما الذكاء الاصطناعي، فهو لا “يفهم” الكود، بل “يُقلد” ما تعلمه من ملايين الأكواد السابقة.
قال رسول الله ﷺ:

"إن الله كتب الإحسان على كل شيء" (رواه مسلم)
فالإحسان في العمل البرمجي يعني أن تستخدم التقنية لخدمة الناس، لا أن تجعلها بديلًا عنهم.
الذكاء الاصطناعي قد يكتب برنامجًا، لكنه لا يستطيع أن يضع “نية الإحسان” فيه، ولا يملك ضميرًا يُفرّق بين الخير والشر.

ثالثًا: تحليل منطقي لواقع الوظائف التقنية

من الناحية العملية، سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تحول في طبيعة الوظائف التقنية وليس إلى إلغائها.
فبدلًا من أن يقضي المبرمج ساعات طويلة في كتابة الأكواد المتكررة، سيتفرغ للإبداع، وتحليل المشكلات، والتفكير في حلول مبتكرة.
تشير تقارير كبرى شركات التقنية مثل Microsoft وIBM إلى أن الذكاء الاصطناعي سيخلق وظائف جديدة مثل:

مهندس تكامل الذكاء الاصطناعي.

مطوّر حلول قائمة على التعلم الآلي.

مختص بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

محلل بيانات ذكي.

وهنا يظهر قول الله تعالى الحق:

"إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 6)
فالتطور قد يحمل بعض العُسر في بدايته، لكنه يحمل في طياته فرصًا جديدة لمن يقرأ المستقبل بعين الوعي والإيمان.

رابعًا: الإيمان بالقدر… طريق الطمأنينة في عالم متغير

في خضم هذا الخوف من المجهول، علينا أن نتذكر قاعدة الإيمان بالقدر خيره وشره.
فالله هو الرازق، وهو الذي يُقدّر الأرزاق والأدوار في الحياة.
مهما تطورت الآلات، فلن تسرق رزقًا كتبه الله لعبده.
قال النبي ﷺ:

"واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" (رواه الترمذي)

الإيمان بالقدر لا يعني الكسل، بل يحررك من الخوف، لتعمل بإتقانٍ وطمأنينة، دون أن تهتز أمام التغيرات التقنية.

خامسًا: كيف تستعد للمستقبل بعقل مؤمن ومبرمج واعٍ؟

تعلم دائمًا: التطور المستمر هو مفتاح البقاء، فكل أداة جديدة فرصة للتعلم لا للتهديد.

طور مهارات التفكير لا الحفظ: لأن الآلة تحفظ، أما الإنسان فيبدع ويبتكر.

استخدم الذكاء الاصطناعي كمساعد: لا كبديل، بل كأداة تزيد إنتاجيتك وجودة عملك.

اجعل نيتك لله: فكل علمٍ نافعٍ تُقدّمه يُكتب لك أجره. قال ﷺ:

"من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة" (رواه مسلم)

احفظ توازنك الإيماني: لا تجعل التقنية تُنسيك أن الأصل هو الإنسان، وأن الله كرّمه بالعقل والضمير.

الخاتمة:

لن يحل الذكاء الاصطناعي محل المبرمجين، بل سيجعل المبرمجين أعظم من قبل.
فالآلة قد تُقلد، لكنها لا تُبدع… تحسب الأرقام، لكنها لا تَشعر، ولا تَعرف معنى النية ولا الإخلاص.
الذكاء الاصطناعي سيبقى أداة في يد من يُحسن استخدامها، أما المؤمن فهو من يُدرك أن القوة الحقيقية ليست في الكود، بل في العقل الذي أنعم الله به عليه.
فاجعل علمك سبيلاً للخير، واطمئن أن رزقك محفوظ عند الله، لا في خوارزميات ولا شركات.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

195

متابعهم

62

متابعهم

0

مقالات مشابة
-