المناخ كمحرك للابتكار: استراتيجيات صناعة السيارات لخفض الانبعاثات الكربونية

تجد صناعة السيارات نفسها اليوم في مفترق طرق تاريخي، حيث لم تعد محركات الاحتراق الداخلي قادرة على الصمود أمام الضغوط المتزايدة للحد من التغيرات المناخية والالتزام بالمعايير البيئية العالمية. يُعد قطاع النقل، كأحد أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية، مسؤولاً عن جزء كبير من البصمة البيئية الكوكبية، مما يضع الشركات المصنعة أمام خيار وحيد: التحول الجذري أو التخلف عن الركب.

إن هذا التحدي المناخي العظيم لم يعد يُنظر إليه كعبء تنظيمي فقط، بل تحول إلى "محرك للابتكار"، يدفع الشركات لضخ استثمارات ضخمة في بحوث وتقنيات جديدة. هذا الابتكار يهدف إلى تحقيق أقصى درجات خفض الانبعاثات الكربونية عبر دورة حياة المركبة بأكملها، من التصنيع وحتى التشغيل.

يهدف هذا المقال إلى تحليل هذا التحول الاستراتيجي، مستعرضاً أبرز الاستراتيجيات العالمية التي تبنتها صناعة السيارات. سنركز على الابتكارات الجوهرية، وعلى رأسها المركبات الكهربائية (EVs)، وتقنيات الهيدروجين، وتطوير سلاسل الإمداد المستدامة، لنوضح كيف أصبحت الاستدامة هي المعيار الجديد للريادة التنافسية في عالم النقل.

أن الخبراء العاكفين على وضع استراتيجية الإنتاج المستقبلية، يضعون في الحسبان التطورات المحتملة في العالم في المستقبل . ومن المحتمل أن يتقلص حجم الإنتاج ابتداء من 2025م.

ولا بد من التفكير في بدائل للمحركات الحالية. 

وأن تطوير الإنتاج سيكون على ثلاثة مراحل؛ زيادة الفعالية مع خفض غازات الاحتراق، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون، ثم الانتقال إلى المحركات المتعددة الوقود.

أما المرحلة الثالثة، فإنها ستتمثل في استخدام الهيدروجين كوقود. 

ولقد لخص رئيس واحدة من أشهر المؤسسات الصناعية في العالم، في هذه الجمل، العناصر المطروحة للنقاش وتبادل الآراء على مختلف الأصعدة في العالم.

وتعد المشكلة التي ستواجه صناعة السيارات، هي نفسها التي ستواجه معظم القطاعات الصناعية والحياتية.

فمسألة ضمان أمن الطاقة على مستوى عالمي وإيجاد بدائل لمصادر الطاقة الأحفورية " النفط والغاز الطبيعي والفحم"، وتخفيض انبعاث غازات الدفيئة لحماية المناخ، كانت مدرجة في جداول أعمال المؤتمرات الدولية في عام 2007م.

image about المناخ كمحرك للابتكار: استراتيجيات صناعة السيارات لخفض الانبعاثات الكربونية

قدم الخبراء قبل مؤتمر المناخ الدولي، على الجزيرة الإندونيسية، صورة قائمة مخيفة للعالم، إذا لم تتخذ إجراءات فعالة لتخفيض انبعاث غازات الدفيئة، لأن ذلك سيؤدي، حسب رأي أغلبية الخبراء المختصين بالمناخ، إلى مواصلة التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض، واستمرار زحف الصحراء، وذوبان جبال الجليد.

وهناك أقلية ترفض هذه النظريات، مشيرة إلى أن ثاني أكسيد الكربون هو من أهم العناصر الحياتية، فضلا عن أن تاريخ البشرية شهد تقلبات مناخية عديدة من زحف جليدي، إلى تنقل الأقاليم الحارة، عازين هذه الظاهرة إلى أسباب عديدة من أهمها الانفجارات الهائلة على الشمس. ويشيرون إلى العثور في مناطق واقعة على خطوط عرض شمالية على عظام حيوانات من فصائل لا تعيش إلا في المناطق الاستوائية.

وهناك نوع من التلوث الصيفي ينسب إلى مدينة لوس إنجلوس، حيث تلتقي الغازات الضارة أشعة الشمس فوق البنفجسية. وقد حلت بمدن حوض الرور الصناعية الألمانية كوارث مشابهة نوعا ما لكارثة لندن، وإن كانت خسائرها البشرية أقل بكثير. وكان أشهرها في عام 1962م، عندما أودي تلوث الأجواء بثاني أكسيد الكبريت والغبار بحياة 156 شخصا.

وتكفي الإشارة إلى أن ثاني أكسيد الكربون الذي انبعث في الأجواء في العالم عام 2006م بلغ ثلاثين مليار طن. وقد تفوقت الصين في عام 2007م على الولايات المتحدة التي كانت تعد الملوث الأكبر للأجواء في العالم.

وبما أن الاقتصاد الصيني ينمو باطراد، وكذلك الهندي، ولو بنسبة أقل، فإن تلوث الأجواء سيسير من سيء إلى أسوأ، إذا لم تتوصل الدول الصناعية المعنية إلى اتفاق مناسب، أو لم يتوصل العلماء إلى حل تقني كالنجاح في عدم ترك غازات الاحتراق تنبعث في الأجواء.

image about المناخ كمحرك للابتكار: استراتيجيات صناعة السيارات لخفض الانبعاثات الكربونية

المرجع: 

عفاني، أحمد، صناعة السيارات والمناخ، مجلة الدبلوماسي، العدد 39، الناشر/ وزارة الخارجية – معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، ص ص : 28-29