
خطوط النقل الكهربية
خطوط النقل الكهربية
يعتبر نقل الإشارات الكهربية من مكان لآخر من اهم الإنجازات في علم الهندسة الكهربية. فتنقل القوى الكهربية عبر أراضي الدولة من مناطق إنتاجها إلى المستهلك وكذلك تنقل الإشارات الكهربية من جهاز الإرسال إلى المشع أو الهوائي بواسطة خطوط نقل مناسبة. وفي مدى الترددات الميكروموجية تنقل الإ شارات بواسطة حاملات الموجات وهي أحد أنواع خطوط النقل التي تعمل في هذا النطاق من الترددات. وهناك الخطوط التي تنقل الطاقة الكهربية في قنوات مناسبة مدفونة تحت الأرض أو تحت سطح البحر مثل خطوط التليفونات والتلغراف. وبالإضافة إلى ذلك تستخدم خطوط نقل مناسبة لنقل الإشارات الكهربية من نطقة إلى أخرى داخل الأجهزة الكهربية.
ويمكن استخدام أجزاء مناسبة من الخطوط لبناء دوائر ميكرموجية مثل المرشحات والخامدات والمحولات وعناصر التقسيم والربط المختلفة.
ويلاحظ أن التحليل الدقيق لخطوط النقل الكهربي يتم باستخدام معادلات ماكسويل ويكون الناتج هو المجال الكهربي والمغناطيسي عند أي نقطة على خط النقل إلا أن استخدام معادلات ماكسويل للتعامل مع خطوط النقل الكهربية ليس بالأمر السهل في كل الأحيان. أما في التحليل النمطي لخطوط النقل ذات الموصلين فيستخدم جزء مجمع (lumped element) يطبق عليه القواعد الأساسية في نظرية الدوائر الكهربية للدوائر المجمعة فيتم ربط الجهد والتيار عند بداية هذا الجزء من الخط مع الجهد والتيار عند نهايته وهذا الجزء يختار بحيث يكون صغير جداً بالمقارنة بالطول الموجي ويسمى التحليل الكلي لخط النقلل في هذه الحالة التحليل الشبكي الموزع .

نبذة تاريخية:
استطاع ستيفن جراي وهو في الثالثة والستين في إحدى مصحات العجائز في عام 1729م أن يكتشف أنه إذا وضعنا شحنة كهربية على سلك معدني طويل فإن هذه الشحنة يصل جزء منها للطرف الآخر. وبعد ذلك بحوالي 60 سنة لاحظ أوتوفون جيوريكي إنه إذا تلامس سلك طويل مع مولد شحنات فإن بعض من هذه الشحنات يتوزع على هذا السلك. وفي عام 1735م نشر بحث في مجلة علمية في إنجلترا مفاده إنه يمكن عمل جهاز اتصال يستخدم 26 سلك طويل موضوعة موازيه لبعضها كل سلك من هذه الأسلاك يمثل أحد الحروف الهجائية الإنجليزية (26 حرف).
وقد استخدمت طريقة جراي وذلك بلمس جسم مشحون لأحد أطراف السلك الذي يمثل الحرف المراد إرساله. وفي طرف الاستقبال تؤثر الشحنات على قطع صغيرة من الورق فتجعلها تتحرك وبملاحظة هذه الحركة يمكن تفسير الرسالة المرسلة من الطرف الآخر. وقد طبقت هذه الطريقة بين عامي 1770 – 1780م في عدة بلاد باستخدام أطوال ذات عدة كيلومترات إلا أنها لم تكن ناجحة عمليا وإنما أثبتت أنه يمكن نقل المعلومات باستخدام خطوط مناسبة.
وتلي ذلك اختراع الخلية الكهربية في عام 1800م مما سهل اختراع التلغراف عام 1830م . وقد استخدم التلغراف بصورة تجارية في عام 1839م بواسطة ويتستون وكوك في إنجلترا ومورس في الولايات المتحدة.
وقد استخدمت هذه الأنظمة خطوط النقل ذات الأسلاك المتوازية بنجاح. وبحلول عام 1850م تطورت نظرية التلغراف وأصبحت تغطي مناطق كثيرة في العالم وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة . وقد تطلب التوسع في التلغراف التجاري استخدام كبلات تمد تحت الأنهار وقد أمكن مد كيبل طوله حوالي 65 كيلومتر عبر القنال الإنجليزي في عام 1851م .
وقد تلي ذلك دراسة تشوه وإخماد الإشارات على الكابلات الطويلة.
جرت محاولات بعد ذلك لمد كيبل تحت المحيط الأطلنطي بين أمريكا وأوروبا.
استطاع لورد كلفن في عام 1855م أن يضع تحليل شبكي موزع لخط النقل المنتظم. في هذا التحليل عبر عن الخط باستخدام مقاومات على التوالي مع مكثفات على التوازي وقد أشار أنه لكي يكون التحليل أكثر دقة يجب إدخال محاثات على التوالي ومواصلات على التوازي. وقد استطاع لورد كلفن إثبات أن تأثير المحاثة صغير عند ترددات التلغراف وكذلك بقياس تأثير التسرب عن طريق المواصلات أثبت أنه يمكن إهمالها. قدم لورد كالفن كذلك جلفانومتر حساس لاستقبال إشارات التلغراف. استطاع بالإضافة لذلك تصميم كيبل بحري عبر الأطلنطي في عام 1858م وقد استخدم لنقل الرسائل لعدة أسابيع قبل أن ينهار العازل داخل الكيبل. وتلي ذلك وضع عدة كيبلات عبر الأطلنطي في عام 1866م ما زال يعمل بعض منها حتى اليوم.
كان اختراع التليفون في عام 1876م هو أحد الدوافع لاستمرار تطور خطوط النقل الكهربية. وحيث أن المدى الترددي المستخدم في خطوط التليفونات هو أوسع من المستخدم في التلغراف فقد استمر تطور خطوط النقل الكهربية في الأربعين سنة التالية. ويرجع الفضل إلى أوليفر هيفيسايد مهندس الكهرباء الإنجليزي في وضع تحليل كامل لخطوط النقل الكهربية وذلك في كتاب نشر عام 1880م وهذا التحليل ما يزال يستخدم حتى اليوم وبنفس الصورة التي وضعها هيفيسايد.
وبنهاية القرن التاسع عشر الميلادي أصبح من الضروري تطوير خطوط التليفونات . وأثبت هيفيسايا أن زيادة قيمة المحاثة على الخط يقلل من التشوه وقد ثبت ذلك عملياً في الولايات المتحدة وذلك بوضع ملفات تحميل على مسافات مناسبة على خط النقل. واكب ذلك تطوير الميكروفون الكربوني. وتلي ذلك اختراع الصمام الثلاثي بواسطة لي دي فورست في عام 1912م وقد أمكن باستخدام المكبر ذو الصمام الثلاثي تحقيق الاتصال التليفوني عبر الآلاف من الكيلومترات وحتى ذلك الحين كان الخط التليفوني يحمل مكالمة واحدة فقط وقد امكن بعد ذلك نقل مكالمات عديدة على الخط التليفوني في نفس اللحظة وذلك باستخدام التقسيم التضاعفي للتردد.
وفي الفترة من 1925م إلى 1940م وبسبب زيادة عدد المكالمات على الخط أصبحت ملفات التحميل غير ذات ضرورة وذلك لأنها تتسبب في تحويل الخط إلى مرشح مرور ترددات منخفضة فقط.
وقد شهد العقد الرابع من القرن العشرين تطور كبير لتليفونات التردد الحامل وكان من الضروري آنذاك تحليل خطوط تليفونية طولها عدة أطوال موجات وهذا يحتاج إلى طرق التحليل الشبكي الموزع . تم ذلك باستخدام طريقة هيفيسايد . وقد تطورت استخدامات خطوط النقل ا لمنتظمة وذلك بزيادة الطيف الترددي المستخدم عمليا في الرادار والراديو وأجهزة الاتصال المختلفة. وصاحب الحرب العالمية الثانية تطور كل أجهزة الاتصال والرادار والفلك مما جعل خطوط النقل الكهربية موضوع أساسي في كل أنظمة الهندسة الكهربية. وقد تطور استخدام المدى الطيفي الكهرومغناطيسي حتى وصل إلى المدى البصري من الطرف الأعلى والمدى الترددي شديد الانخفاض ELF من الطرف الأدنى.
عند المدى الموجي الأصغر من عدة ديسيمترات لا تستخدم خطوط النقل ذات الموصلين وذلك بسبب زيادة التوهين للموجات على هذه الخطوط وكذلك بسبب هروب هذه الموجات من بين موصلي خط النقل ذات الموصلين المتوازيين عند هذه الترددات. ولذلك تستخدم أنواع أخرى من خطوط النقل وهي حاملات الموجات ذات الموصل الواحد أو حاملات الموجات المصنوعة من مواد عازلة أما في المدى الموجي البصري فتستخدم خطوط النقل الليفية البصرية.
المرجع:
ص ص : 23-19
هندسة الهوائيات وانتشار الموجات والكمبيوتر
الجزء الأول ، الدكتور حسن الكمشوشي، دار الراتب الجامعية، الطبعة الأولى 1988م، بيروت.