تفشي وهم الربح السريع وحمّى التنقيب عن الكنوز في مواقع التواصل الاجتماعي

تفشي وهم الربح السريع وحمّى التنقيب عن الكنوز في مواقع التواصل الاجتماعي

0 reviews

في دراسة ميدانية قمنا بهها سابقا، والتي وسمت بعنوان: صناعة الوهم وترويجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإنعكاسات ذلك على واقع الشباب العربي، توصلنا من خلال الملاحظات والمقالات التي قمنا بها في الميدان إلى جملة من النتائج أهمها؛ مساهمة الفضاء الافتراضي في انتشار وتفشي هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، كما توصلنا إلى أن وهم الربح السريع وما أعقبه من انتشار لحمّى البحث والتنقيب عن الكنوز قد عرف ارتفاعا كبيرا وتوسعا غير مسبوق وسط الشباب العربي في كافة البلدان العربية لاسيما التي تلك التي تضمّ آثار الحضارات القديمة، هذا الارتفاع والتوسع في دائرة الوهم والحمّى انتشر مع إجراءات الحجر الصحّي التي صاحبت فترة انتشار مرض كوفيد 19،. والتي دامت سنتين كاملتين وجدت فيها الكثير من الشرائح الشبانية نفسها خلف قضبان البطالة والفراغ، وهي الفترة ذاتها التي انشرت فيها مواقع وصفحات ومحموعات تحليل الإشارات التكنيزية الموجودة على الصخور والأشجار المعمرة وغيرها، وهي نفسها الفترة التي انتعشت فيها أسواق بيع وشراء آلات وأجهزة التنقيب المهربة والمحلية، والتي عادة ما تباع بأسعار خيالية دون أن تكون لها فعالية في كشف الأهداف التكنيزية بدقة، إذ تمكنا من الحضور في إطار الملاحظة بالمشاركة مع أربع حالات تقوم فيها مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم مابين 19 و45 سنة، قاموا بحفر حفر واسعة في الأرض يتراوح عمقها ما بين 3 و 6 أمتار، بعد تأكيدهم للأهداف بـاستعمال الآلات وكذا الأسياخ النحاسية محلية الصنع، وبعد جهد الحفر واستخراج الأتربة والصخور والتعرض لعدة أخطار ليلا ونهارا لم تعثر أي مجموعة على شيء، فيصيبهم الإحباط، وينسجون قصصا لا أساس لها من الواقع، كأن يفسرون عدم وصولهم إلى الهدف بسبب الجنّ والرّصد الذي قام بتخبئته قبل وصولهم، وهي كلها أوهام وتبريرات تنسجها لهم الفضاءات الافتراضية، فيألحأون إلى تغيير المكان بدل تغيير التفكير ويكررون التجربة بنفس الخطوات وبنفس النتائج.

     كما خلصنا إلى أنّ هناك اهتمام كبير من قبل الشّباب العربي بشكل عامّ  بهذا السّوق الوهميّ وأنّه يوجد إيمان متشكّل لدى العديد منهم بأنّ السّعي للعثور على هذه الكنوز بأي وسيلة هو السّبيل الأوّل لتحصيل الثّروة وتحقّق معجزة الرّبح السّريع،  لقد زاد الاهتمام بهذا النشاط بتزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الّذي يؤكّد فرضية ارتباط تفشّي الوهم في هذا المجال بتزايد استخدام مواقع التّواصل الاجتماعي وأنّ دجّالي الواقع قد نقلوا دجلهم إلى المواقع وباتوا يلعبون على الأوتار الحسّاسة للشّباب من خلال سرد وقائع مزيّفة وصوّر مغريّة مفبركة وإبهار المتابعين بأسماء و تقنيات من اختراعهم ما أنزل اللّه بها من سلطان، فهذا مثال عن صاحب حساب وهمي يسمّي نفسه " حسان ياسين " نشر يوم 20/11/2022 في إحدى المجموعة يقول : " يوجد شيخ حكيم لتنزيل الأموال واستخراج الذّهب باستخدام الزئبق الأحمر... تواصلوا معي في الخاص..." لتنهال عليه العروض من المغرب والجزائر و تونس والدعوات للتّواصل معهم على الخاص.

إن المعظلة الحقيقية التي يطرحها تفشّي هذا الوهم هو تخلي الكثير من الشباب عن مناصب عملهم وتقاعسهم عن أدوارهم الاجتماعية ومسؤولياتهم العائلية، وهو ما ينذر مستقبلا بوجود فئة كبيرة من المجتمع العربي تعيش تعيش في وهم الربح السريع وحلم العثور عن الكنز في يوما، بينما يمرّ بهم العمر دون أن يأتي هذا اليوم، لينتهوا في آخر مطافهم إلى مالا يحمد عقباه.

إن مشكلة صناعة الوهم ليست مشكلة مواقع التواصل الاجتماعي أو أيّ وسيلة إعلامية  في حدّ ذاتها، إنّما هي مشكلة سوء استخدام عندما تتفاعل مع مشكلة سوء تفكير، فصاحب العقل الواعي والتفكير السليم لا ينبغي له أن يترك السعي لرزق فوق الأرض ويلهث وراء ما تحت الأرض، فالحكمة تقول: “ لا تترك ما في يدك وتحاول إمساك في الغأر”

صابر شباط، طالب دكتوراه وباحث في علوم الإعلام والاتصال، جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي، الجزائر 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

6

followers

9

followings

22

similar articles