
"كيف تعيد خوارزميات التواصل الاجتماعي تشكيل مزاجك دون أن تلاحظ؟"
بين الذكاء الاصطناعي والمزاج البشري
1. ما هي الخوارزميات في الأساس؟
الخوارزميات ليست مخلوقات غامضة، بل سلاسل من التعليمات الرياضية تُملي على النظام كيف يتصرف.
لكن في العالم الرقمي الحديث، تحوّلت هذه التعليمات إلى عقول مصغّرة تتعلم من كل حركة نقوم بها.
منصات مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب تعتمد على نظام تعلم آلي يراقب تفاعلك مع المحتوى: كم ثانية قضيت أمام فيديو؟ هل أعدت مشاهدته؟ هل أرسلتِه لصديق؟
كل تلك التفاصيل تُترجم إلى إشارات تخبر النظام: “هذا ما يحبّه المستخدم.”
ومع الوقت، تصبح تجربتك على المنصة مصمَّمة خصيصًا لك، كأنها مرآة مطلقة — لكنها مرآة تعكس ما يثيرك، لا ما يُفيدك.
2. كيف تقرأ الخوارزميات مشاعرك؟
عندما تشاهد مقطعًا مؤثرًا وتبقى متجمّدًا للحظة، تلتقط المنصة تلك الثانية الإضافية وتعتبرها اهتمامًا.
ربما ظننت أنك تمرّ سريعًا، لكنها رأت تردّدك.
الخوارزميات لا “تشعر” حقًا، لكنها تحلل سلوكك لتقدّر شعورك.
هي تعرف أنك حزين قبل أن تكتب منشورًا عن الحزن، وتعرف أنك قلق قبل أن تعترف بذلك لنفسك.
تُنشئ المنصات ما يشبه “ملفًا نفسيًا” لك، يتضمن أنماط نومك، واهتماماتك، وحتى أكثر الأوقات التي تكون فيها ضعيفًا أمام المحتوى العاطفي.
ثم تبدأ بتقديم جرعات صغيرة من المنشورات المشابهة لتثبّتك في هذا الإطار النفسي، حتى تظلّ على المنصة بلا انقطاع.
3. لماذا تريد المنصات إبقاءك في نفس المزاج؟
كل دقيقة تقضيها على التطبيق تعني المزيد من الإعلانات والمزيد من البيانات.
المنصات الرقمية لا تبيعك منتجًا، بل تبيع انتباهك للمعلنين.
ولأن المشاعر القوية هي أقصر طريق للانتباه، تبدأ الخوارزميات في استغلالها بذكاء:
تُريك منشورات تثير الغضب، ثم تُتبعها بمحتوى يثير الفضول، ثم تُسكّنك بفيديو ساخر خفيف.
وهكذا تعيش موجة من الانفعالات المتتابعة تُبقيك مشدودًا للشاشة كما لو كنت في حلمٍ لا ينتهي.
الهدف ليس تدميرك نفسيًا، بل ببساطة أن لا تغادر.
4. دورة الإدمان الرقمية
الإشعارات الصغيرة التي تراها ليست عشوائية، بل مصمّمة على أسس عصبية.
كل “إعجاب” أو “تعليق” يفعل في دماغك ما تفعله قطعة شوكولاتة — يُطلق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يمنح شعورًا مؤقتًا بالمتعة.
لكن المشكلة أن هذا الشعور يتلاشى بسرعة، مما يجعلك تبحث عن جرعة جديدة.
تتحول بعدها المنصة إلى ما يشبه كازينو رقميّ، حيث تسحب لتجد محتوى “ربحتَ به” أو لا.
ومثل المقامرة، الفكرة ليست في الفوز، بل في احتمال الفوز — وهذا الاحتمال وحده كافٍ لجعلك مدمنًا على التصفح بلا وعي.
النتيجة؟ تقلّ قدرتك على التركيز، ويصبح عقلك مهيأً لردود أفعال قصيرة لا للتفكير الطويل.
5. كيف تكسر هذه الدائرة؟
أول خطوة هي الوعي بأنك داخل حلقة.
بعدها، يمكنك البدء بإعادة تدريب الخوارزمية: تجاهل كل محتوى يثير التوتر أو الجدل، وابدأ بالتفاعل مع مقاطع تعليمية أو فكرية.
خلال أسابيع، ستلاحظ أن المنصة بدأت تُغيّر سلوكها تجاهك — لأن الخوارزميات ليست شريرة، بل مطيعة.
هي فقط تكرّر ما تتفاعل معه أكثر.
حاول أيضًا تحديد أوقات استخدامك، وإبعاد الهاتف عن السرير أو الطعام.
هذه التفاصيل الصغيرة تُعيد برمجة دماغك على التحكم في وقتك بدلًا من أن تتحكم فيه الشاشة.
6. التكنولوجيا ليست العدو
من السهل اتهام التكنولوجيا بأنها السبب في فقدان التركيز والانعزال، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا.
الأداة في حد ذاتها محايدة؛ النية هي التي تحدد الأثر.
يمكنك أن تجعل هاتفك مصدر تعلم وإبداع، أو بوابة إلى فراغ لا نهاية له.
عندما تستخدم التقنية لتطوير مهاراتك، أو لقراءة الأفكار الجديدة، فإنها تصبح امتدادًا لعقلك لا عبئًا عليه.
الأمر كله يعود إلى الوعي: هل أنت من يستخدم الشاشة… أم الشاشة من تستخدمك؟

تذكّر:
“الخوارزمية لا تمتلك قلبًا، لكنها تفهم قلوبنا أكثر مما نتخيل”